حكمة قاض
 ********
 أراد أحد الأمراء أن يتحقق بنفسه من صحة ما قيل له ، عن وجود قاض عادل فى 
إمارته، لايستطيع أحد من المحتالين خداعه، فتنكر الأمير فى زى تاجر ، 
وامتطى جواده، وعند مدخل المدينة اقترب منه رجل كسيح يلتمس صدقه ، فأعطاه 
فاذا الكسيح يتشبث بردائه. التفت التاجر إلى الكسيح، وسأله : ماالذى تريده بعد؟ ألم أعطك صدقة؟
 فنهره التاجر قائلا : ما الذى يجلسك ؟ هيا انزل ، لقد وصلنا.
 قال الكسيح : ولم النزول والجواد ملكى ؟
 وعندما احتد بينهما النقاش ، تجمع الناس حولهما ، واقترحوا عليهما الذهاب الى القاضى .
 مضى الاثنان إلى القاضى، وكان الناس متجمعين فى المحكمة، والحاجب ينادى 
على المتخاصمين حسب الدور، فاستدعى القاضى نجارا وسمانا ، كانا يتنازعان 
نقودا بيد النجار.
 قال النجار : اشتريت من هذا سمنا، وعندما أخرجت 
محفظتى لأنقده الثمن ، أختطفها من يدى محاولا انتزاع النقود ، وهكذا جئنا 
اليك ، يده على يدى ومحفظتى ، ولكن النقود نقودى.
 أما السمان فقال : 
هذا كذب. جاء النجار إلى ليشترى سمنا ، وبعد ان ملأت له إبريقا كاملا، طلب 
منى أن أفك له قطعة ذهبية ، فأخرجت المحفظة ، ووضعتها على الطاولة فأخذها 
وأراد الهرب، فامسكت به من يده ، وجئت به إلى هنا.
 صمت القاضى ، ثم قال: اتركا النقود هنا واحضرا غدا.
 وعندما حان دور التاجر والكسيح، قص التاجر ما حدث ، ثم أشار القاضى للكسيح أن يأتى بحجته.
 قال الكسيح هذا كذب كله ، كنت ممتطيا جوادى فى ساحة المدينة ، أما هو فقد 
كان جالسا على الأرض فطلب منى أن أحمله ، فسمحت له بركوب الجواد ، ونقلته 
الى المكان الذى يرغب ، ولكنه لم يرد النزول ، وادعى ملكيته للجواد ، فكر 
القاضى ، ثم قال : اتركا الجواد عندى ، واحضرا غدا. فى اليوم التالى اجتمع 
المتخاصمون للاستماع إلى حكم القاضى ، فتقدم النجار والسمان أولا لمعرفة 
الحكم
 قال القاضى للنجار : النقود ملكك ، ثم أشار الى السمان قائلا : أما هذا فاضربوه بالعصا خمسين مرة .
 ثم استدعى الحاجب التاجر والكسيح ، فوقفا بين يدى القاضى لسماع الحكم.
 فسأل القاضى التاجر : هل تستطيع معرفة جوادك من بين عشرين جوادا؟
 قال التاجر : نعم
 فسأل القاضى للكسيح : وأنت؟
 فقال الكسيح : نعم
 ثم أخذهما القاضى الى الاسطبل ، فأشار التاجر فى الحال إلى جواده وقد ميزه من بين عشرين جوادا .
 وكذلك تعرف الكسيح على الجواد .
 عاد القاضى إلى مكانه . وقال للتاجر :الجواد جوادك فخذه ، أما الكسيح فاضربوه بالعصا خمسين مرة.
 بعد انتهاء المحاكمة ذهب القاضى إلى بيته . فسار التاجر خلفه . فالتفت القاضى إليه وسأله: ما الذى تريده؟ أم انك غير راض عن قرارى؟
 أجاب التاجر: بلى ، ولكنى أردت أن أعلم كيف عرفت أن النقود ملك النجار وليست للسمان ، وأن الجواد لى ، وليس للكسيح؟
 قال القاضى : أما أمر النجار والسمان ، فقد وضعت النقود فى قدح ماء ، ثم 
نظرت اليوم صباحا الى القدح لأرى ما اذا كان السمن طافيا على سطح الماء، 
فلو كانت النقود عائدة للسمان ، لكانت ملوثة بيديه الدسمتين ، ولطفا السمن 
فى القدح ، وأما معرفة مالك الجواد فكانت أصعب ، فالكسيح أشار مثلك فى 
الحال الى الجواد من بين عشرين جوادا ، ولكننى لم اقدكما إلى الإسطبل لأرى 
ما اذا كنتما ستتعرفان على الجواد : بل لأرى ايكما سيتعرف عليه الجواد ، 
عندما اقتربت أنت منه التفت برأسه ، ومده إليك ، وعندما اقترب الكسيح إليه 
رفع أذنيه وقائمته مستنكرا ، وهكذا عرفت أنك صاحب الجواد .
 فقال التاجر
 آنذاك : أنا لست تاجر ، بل أنا أمير البلاد جئت إلى هنا لأعرف حقيقة 
مايقال عنك . وها أنا أرى الان أنك قاض حكيم ، فاطلب منى ماشئت لأكافئك به .
 قال القاضى: شكرا لك أيها الأمير ، فأنا لاأحتاج مكافأة على أداء عملى بصدق وإخلاص
  

 
                           


 
 
 
إرسال تعليق