عندما يغادر
المرء
أهله وعشيرته وموطنه الذي درج
فيه فإنه لا يزال يحنُ إليه ،
ويشتاق إلى والده الذي رباه وأمه
التيحنت عليه ، وعشيرته التي عاش
في أكنافها ، وتراب أرضه الذي
ترعر فيه
فإذا
تيسر له الرجوع إلى ذلك كله
فغالب نفسه وتمسك بإرث جديد ،
وتمسك بديار غير دياره ، وأهل
غير أهله ، فإن في ذلك عجباً
ومن
هؤلاء الذين كان أمرهم عجباً زيد
بن حارثة ، فقد اختطفه بعض العرب
من أهله صغيراً في أحد الحروب
التي كانت تقوم بين القبائل ،
وباعه مختطفوه في سوق عكاظ ،
واشتراه حكيم بن حزام لعمته
خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم
، ووهبته رضي الله عنها لرسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد
زواجه منها
وعرف
والده وعمه بمكانه ، فرجا إلى
مكة يطلبان فداءة وسألا عن مكان
الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى
عرفاه ، فجاءه فقالا : يا ابن عبد
المطلب ، يا ابن سيد قومه ، أنتم
أهل حرم الله ، تفكون العاني ،
وتطعمون الأسير ، جئناك في ولدنا
عبدك فامنن علينا ، وأحسن فدائه
، فإنا سنرفع لك
قال
: وما ذاك ؟
قالو
: زيد ابن حارثة
فقال
صلى الله عليه وسلم : أو غير ذلك ،
أدعوه فخيروه ، فإن اختاركم فهو
لكم بغير فداء ، وإن اختارني ، فو
الله ما أنا بالذي على من
اختارني فداء
ما
أروع هذا الرد الرائع من الرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم ، هذا
الرد الذي ليس فيه أي إجحاف أو
تنقيص ، وقد يظن ظان أن الرسول
صلى الله عليه وسلم لم يكن يحب
زيداً بن حارثة ، لكنه لم يعلم
مدى حب الرسول صلى الله عليه
وسلم لزيد حتى سمي - حِبُ رسول
الله -ـ
عندها
فرح ابى زيد فرحا شديدا بهذا
الرد
واستدعى
الرسول صلى الله عليه وسلم زيد
بن حارثة
فاخبره
بما حدث
فقال
زيد : نعم هذا أبي وهذا عمي
فقال
له صلى الله عليه وسلم : فاختار
ما تريد صحبتي أو ذهابك مع ابيك
وبلا
تردد ولا أعمال فكر ونظر أجاب :
ما أنا بالذي اختار عليك ، أنت
الأب وأنت العم
فاستغرب
العم والأب من هذا الموقف فقالا :
ويحك يا زيد أتختار العبودية على
الحرية ، وعلى أبيك وأهل بيتك
قال
: نعم ، أني قدر رأيت من هذا الرجل
شيئاً ما أنا بالذي اختار عليه
أحدا
عندها
: فاضت عينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، واخذ زيد وذهب إلى
الكعبة
وقال
: اشهدوا ان زيداً ابني يرثني
وارثه
فلما
راى ابوه وعمه ذلك طابت وارتاحت
نفسهما وانصرفا
وظل
زيد يسمى زيد بن محمد
إلى
أن جاء الإسلام وأبطل التبني ،
وأصبح زيد يسمى زيد بن حارثة
إرسال تعليق